فصل: تفسير الآيات (71- 72):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن الكريم



.سورة النمل:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (59):

{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)}
هؤلاء هم أعلى الطبقات وأكرمها على الإطلاق. وهم المرسلون.
فأكرم الخلق على اللّه، وأخصهم بالزلفى لديه: هم رسله. وهم المصطفون من عباده، الذين سلم عليهم في العالمين، كما قال تعالى: {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [27: 181].
وقال تعالى: {سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ} [37: 79] وقال: {سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [37: 108، 109] وقال: {سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ} [37: 130].
وقال في بدائع الفوائد: هل السلام من اللّه؟ فيكون المأمور به: الحمد والوقف التام عليه، أو هو داخل في القول والأمر بهما جميعا؟.
فالجواب عنه: أن الكلام يحتمل الأمرين. ويشهد لكل منهما ضرب من الترجيح.
فيرجح كونه داخلا في جملة القول لأمور:
منها: اتصاله به، وعطفه عليه من غير فاصل. وهذا يقتضى أن يكون فعل القول واقعا على كل واحد منهما. هذا هو الأصل، ما لم يمنع منه مانع. ولهذا إذا قلت: قل: الحمد للّه، وسبحان اللّه. فإن التسبيح هنا داخل في القول.
ومنها: أنه إذا كان معطوفا على القول. كان عطف خبر على خبر، وهو الأصل. ولو كان منقطعا عنه. كان عطف جملة خبرية على جملة الطلب، وليس بالحسن عطف الخبر على الطلب.
ومنها: أن قوله: قل الحمد للّه، وسلام على عباده الذين اصطفى ظاهر في أن المسلم هو القائل: الحمد للّه. ولهذا أتى بالضمير بلفظ الغيبة، ولم يقل: سلام على عبادي.
ويشهد لكون السلام من اللّه تعالى أمور:
أحدها: مطابقته لنظائره في القرآن، من سلامه تعالى بنفسه على عباده الذين اصطفى، كقوله: {سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ} [37: 79] وقوله: {سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ} [37: 108] وقوله: {سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ} [37: 120] وقوله: {سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ} [37: 130].
والثاني: أن عباده الذين اصطفى: هم المرسلون. واللّه سبحانه يقرن بين تسبيحه لنفسه وسلامه عليهم. وبين حمده لنفسه وسلامه عليهم.
أما الأول: فقال تعالى: {سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [37: 180، 181] وقد ذكر تنزيهه لنفسه عما لا يليق بجلاله، ثم سلام على رسله. وفي اقتران السلام عليهم بتسبيحه لنفسه سر عظيم من أسرار القرآن يتضمن الرد على كل مبطل ومبتدع، فإنه نزه نفسه تنزيها مطلقا، كما نزه نفسه عما يقول ضلال خلقه فيه، ثم سلم على المرسلين. وهذا يقتضى سلامتهم من كل ما يقول المكذبون لهم، المخالفون لهم. وإذا سلموا من كل ما رماهم أعداؤهم لزم سلامة كل ما جاءوا به من الكذب والفساد.
وأعظم ما جاءوا به: التوحيد ومعرفة اللّه، ووصفه بما يليق بجلاله مما وصف به نفسه على ألسنتهم. وإذا سلم ذلك من الكذب والمحال والفساد: فهو الحق المحض. وما خالفه: فهو الباطل، والكذب المحال.
وهذا المعنى بعينه في قوله: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى}. فإنه يتضمن حمده بما هو من نعوت الكمال وأوصاف الجلال، والأفعال الحميدة، والأسماء الحسنى وسلامة رسله من كل عيب ونقص وكذب. وذلك يتضمن سلامة ما جاءوا به من كل باطل.
فقابل هذا السر في اقتران السلام على رسله بحمده وتسبيحه. فهذا يشهد بكون السلام هنا من اللّه تعالى، كما هو في آخر الصافات.
وأما عطف الخبر على الطلب فما أكثره. فمنه قوله تعالى: {قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ} [21: 112] وقوله: {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [23: 118] وقوله: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ} [7: 89] ونظائره كثيرة جدا.
وفصل الخطاب في ذلك: أن يقال الآية تتضمن الأمرين جميعا، وتنتظمها انتظاما واحدا. فإن الرسول هو المبلغ عن اللّه كلامه، وليس له فيه إلا البلاغ، والكلام كلام الرب تبارك وتعالى، فهو الذي حمد نفسه، وسلم على صفوة عباده، وأمر رسوله بتبليغ ذلك. فإذا قال الرسول: الحمد للّه، وسلام على عباده الذين اصطفى كان قد حمد اللّه وسلم على عباده بما حمد الرب به نفسه وسلم به هو على عباده. فهو سلام من اللّه ابتداء، ومن المبلغ بلاغا، ومن العباد: اقتداء وطاعة. فنحن نقول كما أمرنا ربنا تعالى: الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى.
وكلمة السلام هاهنا يحتمل أن تكون داخلة في حيّز القول. فتكون معطوفة على الجملة الخبرية، وهي الحمد للّه ويكون الأمر بالقول متناولا للجملتين معا.
وعلى هذا فيكون الوقف على الجملة الأخيرة ويكون محلها النصب، محكية بالقول.
ويحتمل أن تكون جملة مستأنفة مستقلة، معطوفة على جملة. الطلب وعلى هذا: فلا محل لها من الإعراب. وهذا التقدير أرجح.
وعليه يكون السلام من اللّه عليهم، وهو المطابق لما تقدم من سلامه سبحانه على رسله صلّى اللّه عليهم وسلّم.
وعلى التقدير الأول: يكون أمرنا بالسلام عليهم، ولكن يقال على هذا: كيف يعطف الخبر على الطلب، مع تنافر ما بينهما؟ فلا يحسن أن يقال: قم وذهب زيد، ولا أخرج وقعد عمرو.
ويجاب عن هذا: بأن جملة الطلب قد حكيت بجملة خبرية، ومع هذا يمتنع العطف فيه بالخبر على الجملة الطلبية. لعدم تنافر الكلام فيه وتباينه. وهذا نظير قوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [10: 101].
فقوله تعالى: {وما تغني الآيات} ليس معطوفا على القول وهو {انظروا} بل معطوف على الجملة الكبرى، على أن عطف الخبر على الطلب كثير، كقوله تعالى: {قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ} [21: 112] وقوله: {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [23: 118].
والمقصود: أنه على هذا القول: يكون اللّه سبحانه قد سلم على المصطفين من عباده، والرسل أفضلهم. وقد أخبر تعالى: أنه أخلصهم كما قال: {إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ} [38: 46، 47].
ويكفي في شرفهم وفضلهم: أن اللّه اختصهم بوحيه. وجعلهم أمناءه على رسالته، وواسطته بينه وبين عباده، وخصهم بأنواع كراماته، فمنهم من اتخذه خليلا. ومنهم من كلمه تكليما، ومنهم من رفعه مكانا عليا على سائرهم درجات. ولم يجعل لعباده طريقا للوصول إليه إلا من طريقهم، ولا دخولا إلى جنته إلا خلفهم.

.سورة القصص:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (47):

{وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)}
فأخبر تعالى أن ما قدمت أيديهم قبل البعثة سبب لإصابتهم بالمصيبة. وأنه سبحانه لو أصابهم بما يستحقون من ذلك لاحتجوا عليه بأنه لم يرسل إليهم رسولا ولم ينزل عليهم كتابا. فقطع هذه الحجة بإرسال الرسول، وإنزال الكتاب لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل. وهذا صريح في أن أعمالهم قبل البعثة كانت قبيحة، بحيث استحقوا أن يصابوا بها بالمصيبة. ولكنه سبحانه لا يعذب إلا بعد إرسال الرسل. وهذا هو فصل الخطاب.
وتحقيق القول في هذا الأصل العظيم: أن القبح ثابت للفعل في نفسه، وأنه لا يعذب اللّه عليه إلا بعد إقامة الحجة بالرسالة. وهذه النكتة هي التي فاتت المعتزلة والكلابية كليهما، فاستطالت كل طائفة منهما على الأخرى، لعدم جمعها بين هذين الأمرين. فاستطالت الكلابية على المعتزلة بإثباتهم العذاب قبل إرسال الرسل، وترتيبهم العقاب على مجرد القبح العقلي. وأحسنوا في رد ذلك عليهم.
واستطالت المعتزلة عليهم في إنكارهم الحسن القبح العقليين جملة، وجعلهم انتفاء العذاب قبل البعثة دليلا على انتفاء القبح، واستواء الأفعال في أنفسها وأحسنوا في رد هذا عليهم.
فكل طائفة استطالت على الأخرى لسبب إنكارها الصواب.
وأما من سلك هذا المسلك الذي سلكناه فلا سبيل لواحدة من الطائفتين إلى رد قوله، ولا الظفر عليه أصلا. فإنه لوافق لكل طائفة على ما معها من الحق مقرر له، مخالف لها في باطلها منكر له.

.تفسير الآيات (71- 72):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72)}
خص سبحانه النهار بذكر البصر، لأنه محله. وفيه سلطان البصر وتصرفه. وخص الليل بذكر السمع. لأن سلطان السمع يكون بالليل، وتسمع فيه الحيوانات ما لا تسمع في النهار. لأنه وقت هدوء الأصوات، وخمود الحركات، وقوة سلطان السمع وضعف سلطان البصر. والنهار بالعكس، فيه قوة سلطان البصر، وضعف سلطان السمع.
فقوله: {أَفَلا تَسْمَعُونَ} راجع إلى قوله: {قل أرأيتم} أي إن جعل اللّه عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير اللّه يأتيكم به؟.
وقوله: {أفلا تبصرون} راجع إلى قوله: {قل أرأيتم إن جعل اللّه عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة}.

.سورة العنكبوت:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (41):

{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41)}
فذكر سبحانه أنهم ضعفاء، وأن الذين اتخذوهم أولياء أضعف منهم.
فهم في ضعفهم وما قصدوه من اتخاذ الأولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا.
وهو أوهن البيوت وأضعفها.
وتحت هذا المثل أن هؤلاء المشركين أضعف ما كانوا حيث اتخذوا من دون اللّه أولياء. فلم يستفيدوا بمن اتخذوهم أولياء إلا ضعفا على ضعفهم كما قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [19: 81، 82] وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} [36: 74، 75] وقال بعد أن ذكر إهلاك الأمم المشركين: {وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [11: 101].
فهذه أربعة مواضع في القرآن تدل على أن من اتخذ من دون اللّه وليا يتعزز به، ويتكبر به، ويستقر به لم يحصل له به إلّا ضد مقصوده.
وفي القرآن أكثر من ذلك، وهو من أحسن الأمثال وأدلها على بطلان الشرك، وعلى خسران صاحبه وحصوله على مقصوده.
فإن قيل: فهم يعلمون أن أوهن البيوت بيت العنكبوت، فكيف نفى عنهم علم ذلك بقوله: {لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ}.
فالجواب: أنه سبحانه لم ينف عنهم علمهم بوهن بيت العنكبوت، وإنما نفى عنهم علمهم بأن اتخاذهم الموتى أولياء من دونه كالعنكبوت اتخذت بيتا، فلو علموا ذلك ما فعلوه، ولكن ظنوا أن اتخاذهم الأولياء من دونه يفيدهم عزا وقدرة. والأمر في الواقع بخلاف ما ظنوه.